تحليلات

الرياض استطاعت تحجيم الدور القطري في اليمن من بعد جمعة الكرامة حتى يومنا هذا *تحليل: فهمي اليوسفي

 

رغم أميتي السياسية والثقافية, وقراءتي السطحية لبعض المواقف التاريخية, وطابع الغموض للمشكلات الراهنة البالغة التعقيد,بهذا البلد, اندفعت للكتابة حتى وإن كانت غير مستقيمة السياق, فباعتقادي أن ما شهدنه الساحة الوطنية من مشكلات بمختلف أحجامها وأوزانها, وما ترتب ويترتب عليها من انعكاسات سلبية من الماضي حتى الحاضر, ناتج عن مشاريع مؤامراتية من الجارة "السعودية" أوصلت البلد راهناً إلى هذا المنعطف الخطير حتى في ظل الثورة الشبابية السلمية,التي وصلت في وقتنا الحالي إلى أدنى درجات الضعف, وأصبحت شبه مشلولة,رغم انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة وفاق,وهناك أيضا مشكلات ناتجة عن صراع خفي داخل اليمن, بين السعودية وقطر بدأت مؤشراته, تبرز في هذه الظروف ولكل طرف منهما خطته التنفيذية..


ما يثير الاستغراب والدهشة محاولات المطبخ ألمؤامراتي للجارة إجهاض مشاريع الإنقاذ الوطني لهذا البلد, والتي جعلتها أسيرة من الماضي حتى الحاضر لذاك المطبخ, ومصابة بالشلل من جراء ذلك، لكن كيف نترجم ما جرى ويجري, وعلاقة ذاك المطبخ بهذا الشأن؟ كيف نستطيع تشخيص الصراع الخفي بين قطر والسعودية داخل الساحة الوطنية وهذا لن يتم إلا من خلال قراءة ما هو مؤرشف بالذاكرة السياسية والتاريخية اليمنية لعقدين من الزمن, وحتى يومنا هذا.


كمدخل لتشخيص المشكلات برمتها, ليتسنى وضع الحلول. وتحليلي لذلك اختصرته بالتالي:-


1) أواخر التسعينات برعاية الجارة السعودية أقدم صالح ونظامه على دعم النشاط السلفي في اليمن, الذي كان يرأسه (مقبل الو ادعي) الذي اتخذ من شمال الشمال (صعده) مقراً له فكان دعم صالح لهذه الفئة لأهداف عدة منها:-


1-1 تلبية الرغبة السعودية باعتبارها الراعية لهذا التيار, كونه إحدى أجندتها في اليمن وله أهداف عدة من خلال ذلك.
1-2/ضرب الشريحة الهاشمية الزبدية ممن لم يخرجوا عن المذهب الزيدي, كجزء من الانتقام منهم, نظراً لمواقفهم التاريخية المساندة لليسار, والتي برزت من عام 90-94م وعلى رأسهم الشهيد حسين الحوثي, توجت عام 94م بإصدار فتوى من العلامة الراحل (بدر الدين الحوثي) والتي قضت بتحريم فتوى الزنداني والديلمي في صيف 94 ضد أبناء الجنوب. ولهذا دفع ولازال الهاشميون فواتير مواقفهم تلك.

لكن, لم يدرك(صالح) بان أهل السلف أكثر قرباً من علي محسن بحكم أن نشأته لها طابع سلفي, وبالتالي شعر صالح فيما بعد بأن دعمه للسلفيين ذهب إلى صف علي محسن الذي أسند قوته العسكرية بتيار عقائدي مما جعل صالح يعمل على تغيير خطته, وذلك من خلال دعم مشروع الحوثي ودعمه لتأسيس مركز الشباب المؤمن, هذا لأهداف عدة.


1)ضرب التيار السلفي لعلي محسن, باعتباره عائقاً أمام مشروع التوريث,وفي نفس الوقت إدخاله بدوامة من الصراع للتخلص من قوته العسكرية وتياره السلفي والقبلي المساندين له.

التخلص من جميع الأطراف من خلال ما أشرت إليه في النقطة السابقة تمهيداً للتوريث.
فبعد أن تمكن صالح من التخلص من مراكز القوى الأخرى العسكرية المتمثلة بمحمد إسماعيل واحمد فرج من خلال حادثة المروحية، لم يبق أمامه سوى التفنن في إتقان فتنة صعدة, للتخلص من جميع الإطراف وربما تم ذلك بالتنسيق والتعاون مع المطبخ ألمؤامراتي, ومن ثم بدأت تشدن البروفة الأولى من خلال حادثة الفتنة بصعدة عام 2004م، ممثلة بالحرب الأولى,والتي أوكلت مهمتها للواء علي محسن,انتهت تلك الحرب بقتل(حسين الحوثي) وقتل وجرح المئات,فضلاً عن تدمير المنازل والبساتين,ناهيك عن اعتقال العديد من قيادات الحوثيين وبالتالي أيقن صالح بان قوة وعتاد علي محسن لن ينتهي فاعتبر بقاءه خطراً مهدداً لمشروع التوريث, فعمل على دق الجرس للاستئذان من الجارة السعودية لشن حرب ثانية على صعدة و تحت مبرر خطر إيراني يهدد المصالح السعودية ولنفس الأهداف السابقة الذكر. لكن الحوثيين أدركوا بعد تلك المؤامرة حقيقة ما يدبر لهم فبدئوا يأخذون الحيطة والحذر للدفاع عن أنفسهم.فشنت حرب ثانية على صعدة ظلماً وعدوانا,وللأسف فوجئ صالح والجارة بهزيمة نكراء وعدم تحقيق أهدافه الخاصة, مما جعله يستعد لحرب ثالثة على صعده وبنفس التموين الخارجي, لكن فوجئ بهزيمة ثالثة ولم يحقق أهدافه وهنا برز الدور السعودي جلياً.


وبحكم أن قطر دائماً تسعى للإسهام في حل مثل هذه المشكلات في البيت العربي فقد تقدمت بدعوى لجميع أطراف قضية صعدة حينها وبذلت جهوداً كبيرة للحل, إلا أن ذلك اغضب السعودية, وعملت على الضغط غير المباشر على (صالح) الهادف إلى إفشال دور قطر, رغم أنه إيجابي بكل المقاييس وأقحمته في حرب رابعة على صعدة وبإشراك أجندتها وبالتالي توفر عامل مهم لابتزاز السعودية بصفة مستمرة تحت ذريعة الخطر القادم من إيران.. وللسعودية عدة أهداف منها عدم إتاحة فرصة لقطر بتوظيف ذلك ضدها. على ضوئه تم الخوض في حرب رابعة انتهت بهزيمة عفاش, ومن ثم دخلت قطر على الخط بدعوى منه وفي النهاية رفض الحلول القطرية المطروحة لأجل استمراره في ابتزاز السعودية. والتي أعطته الضوء الأخضر لشن حرب خامسة, توجت بالفشل الأمر الذي جعله يطلب تدخل قطر كوسيط لحل المشكلة. لكن السعودية حاولت إجهاض تدخل قطر بكل الوسائل الممكنة وتوج ذلك التدخل بتوقيع اتفاقية قطر الشهيرة (هبرة الارياني)، وهنا برز تقدم الدور القطري, الأمر الذي أثار الحساسية والزكام للسعودية من قطر و الارياني الذي تربطه علاقة قوية بقطر, مما جعل السعودية تفرض حرباً سادسة وتدخل طرفاً فيها لكن فوجئت السعودية بطعم مرارة الهزيمة مما أثار رعبها وفزعها هي وجميع الإطراف المشاركين بالحرب ضد الحوثيين. ومن ثم بدأت تبحث عن مخرج لتورطها في هذه القضية وفقاً لبعض التسريبات عبر المواقع الالكترونية وأنها استعانت بحيدر العطاس والشيخ أمين العكيمي لإخراجها من الورطة توج باتفاق ألمانيا الذي وقعه يحي الحوثي عن الحوثيين والسفير السعودي في ألمانيا عن السعوديين ,من ثم انسحب الحوثيون من المواقع السعودية وسحب علي محسن ما تبقى من ألويته العسكرية إلى خارج صعدة بعد أن تكبد خسائر لا حصر لها في الأرواح والمعدات حيث أيقن أن بقاءه يعد انتحاراً, وبنفس الوقت أيقن صالح بأن الاستمرار في خوضه للحرب يعد تهديداً ونهاية لحكمه خصوصاً بعد أن سقطت ألوية عسكرية في أيدي الحوثيين..



تلك الحرب على صعدة تعتبر هزيمة نكراء للسعودية وصالح ولكل أجندتها, وانتصاراً للحكمة القطرية وللحوثيين .وبهذا ظل الموقف القطري متقدماً على السعودية في الساحة اليمنية إلى حين جمعة الكرامة 18/3/2011م، حيث كانت قطر داعمة ومساندة للثورة الشبابية وكانت ناجحة بكل المقاييس ,إلا أن الجانب السعودي بادر لإنقاذ صالح ونظامه من خلال المبادرة الخليجية وإيقاف الدور القطري وإجهاض المشروع الثوري من خلال إعطاء الضوء الأخضر للواء علي محسن للانضمام للثورة كجزء من محاصرتها وجعل المتطرفين داخل الصف الثوري منفذين لأهدفها سواءً داخل الساحات الثورية أوخلال مواجهات في محافظات أخرى.


ما جرى و يجري اليوم في حجة وصعدة وغيرهما له علاقة بالمطبخ السعودي, وأصبح الإصلاح في نفس الوقت وصالح, وعلي محسن هم أجندة سعودية ينفذون كل ما يملى عليهم من السعودية و حتى يومنا هذا لازالوا يخضعون لتوجيهاتها مهما اختلفوا وافترقوا وفعلا استطاعت إضعاف الفعل الثوري, وتقدم دورها على دور قطر الأمر الذي جعل قطر في موقف المتفرج, لكنها في نفس الوقت استطاعت اختراق الإصلاح عبر الجناح الليبرالي من خلال توكل كرمان, إبراز حسن نية عندما أوكلت للإصلاح مهمة إدارة قناة الجزيرة مباشر مما جعله يعمل على إضعاف دور توكل كرمان ومحاصرتها كجزء من إرضاء السعودية.والتي تسعى راهناً إلى وأد الدور القطري في اليمن.


وبنفس الوقت تسعى السعودية للقضاء على كل الشخصيات القيادية المساندة لقطر حتى وإن كانت في حزب صالح, وربما التهديد الذي تلقاه الدكتور الارياني من صالح ليس بعيداً أن يكون نابعاً من المطبخ السعودي, نظراً للعديد من الأسباب, وبحكم أنها تعتبر بقاء الارياني تهديداً لكل أجندتها وعائقاً أمام تنفيذ مشاريعها في اليمن, وما يجري اليوم داخل الساحة اليمنية هو جزء من إدارة ذاك المطبخ.. وعلى هذا الأساس ومن خلال ما سلف ذكره يتضح بأن الدور السعودي راهناً هو المتقدم على القطري, وأن دور قطر في وقتنا الراهن وصل فقط لاختراق الإصلاح عبر توكل كرمان, ومن هذا المنطلق ينبغي أن ندرك بأن كل المشاكل التي تعاني منها البلد من الماضي حتى الحاضر هي من نسيج المطبخ الخارجي, والشلل الذي أصاب الفعل الثوري ناتج عن ذلك. لهذا نحن بحاجة إلى إنقاذ ثوري من داخل الساحات كجزء من إنقاذ الوطن برمته. ورفض التدخل الخارجي والخضوع لإملاءاته.

زر الذهاب إلى الأعلى